من كان مسافرا ولم يصل المغرب والعشاء فأدرك العشاء خلف إمام مقيم فالمختار أنه يصلي المغرب وحده، فإذا صلاها دخل معه في بقية العشاء، وذلك لاختلاف النية؛ فإن المغرب والعشاء متفاوتان بينهما فرق في عدد الركعات. هذا الذي نختاره. وأجاز بعض المشائخ أنه يدخل معهم بنية المغرب، فإذا صلوا ثلاثا فارقهم وتشهد لنفسه وسلم، ثم صلى العشاء، ولكل اجتهاده إذا عرف الصغير ربه، وعظم قدر ربه في قلبه، نشأ على طاعة الله تعالى، ونشأ على محبته، وأحب عبادة الله وعظمها في صغره، وسهلت عليه وداوم عليها في كبره، وكره المعصية ونفر منها، وكره كل ما نهى الله تعالى عنه؛ حيث أن آباءه يعلمونه الخير ويؤدبونه عليه اللسان أمانة،استودعه الله عندنا وأمرنا بأن نستعمله في الذكر وفي العلم وفي التعليم وفي النصيحة وما أشبه ذلك، ولا نستعمله في غيبة ونميمة ولا في هجاء ولا في عيب وقذف وهمز ولمز وما أشبه ذلك. وهكذا بقية الجوارح أمانات داخلة في قول الله تعالى: (والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون) . يجوز أن يعلم القبر بعلامات يعرف بها، فقد ثبت أنه صلى الله عليه و سلم لما دفن عثمان بن مظعون جعل عند قبره حجرا وقال: "أعرف به قبر أخي، وأدفن إليه من مات من أهلي". فيجوز أن يجعل علامة كحجر أو لبنة أو خشبة أو حديدة أو نحو ذلك، ليميز بها القبر عن غيره حتى يزوره ويعرفه.أما أن يكتب عليه فلا يجوز؛ لأنه قد نهي أن يكتب على القبور حتى ولو اسمه، وكذلك نهي أن يرفع رفعا زائدا عن غيره. لم يوجد أحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم دخل في بدعة ولا خالف السنة ولا جماعة المسلمين،ولا خرج على أئمة الدين بل الصحابة كلهم عدول؛ وذلك لأنهم تلقوا الوحي من النبي مباشرة فوصل الإيمان إلى قلوبهم، فلم يكن إيمانهم عن تقليد بل عن فقه واتباع.
شرح كتاب بهجة قلوب الأبرار لابن السعدي
82285 مشاهدة
شرح حديث اشفعوا فلتؤجروا

بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. قال رحمه الله تعالى: الحديث الرابع عشر: عن أبي موسى رضي الله عنه أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان إذا أتاه سائل أو طالب حاجة قال: اشفعوا فلتؤجروا ويقضي الله على لسان رسوله ما شاء متفق عليه .


هذا حديث شريف فيه أن نبي الله -صلى الله عليه وسلم- كان يحرص على نفع المسلمين، وعلى قضاء حوائجهم، ويحرص على أن بعضهم ينفع بعضا، ويؤيد بعض المؤمنين بعضا؛ وذلك من باب التعاون الذي أمر الله به؛ الأمر بالتعاون على البر والتقوى، ومدحه النبي -صلى الله عليه وسلم- وأثنى على من ينفع إخوته فقال -صلى الله عليه وسلم- من يسر على معسر يسر الله عليه في الدنيا والآخرة، ومن ستر مسلما ستره الله في الدنيا والآخرة، ومن فرج عن مسلم كربة من كرب الدنيا فرج الله عنه كربة من كرب يوم القيامة، والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه فهكذا إذا جاءه صاحب حاجة يقول لأصحابه: اشفعوا تؤجروا ويقضي الله على لسان نبيه ما شاء اشفعوا تؤجروا يعني أنكم إذا شفعتم سواء شفاعة عنده -صلى الله عليه وسلم- أو عند ذوي الحاجات فلكم أجر على هذه الشفاعة. ويقضي الله تعالى على لسان نبيه ما شاء من الأمور التي قدر وجودها وقدر قضاءها، فإنه سبحانه يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد، وقد جعل لقضاء الحوائج أسبابا.